الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل
.تفسير الآية رقم (88): {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88)}{لاَ يَأْتُونَ} جواب قسم محذوف، ولولا اللام الموطئة، لجاز أن يكون جواباً للشرط، كقوله:أن الشرط وقع ماضياً، أي: لو تظاهروا على أن يأتوا بمثل هذا القرآن في بلاغته وحسن نظمه وتأليفه، وفيهم العرب العاربة أرباب البيان لعجزوا عن الإتيان بمثله، والعجب من النوابت ومن زعمهم أن القرآن قديم مع اعترافهم بأنه معجز، وإنما يكون العجز حيث تكون القدرة، فيقال: الله قادر على خلق الأجسام والعباد عاجزون عنه. وأما المحال الذي لا مجال فيه للقدرة، ولا مدخل لها فيه كثاني القديم، فلا يقال للفاعل. قد عجز عنه، ولا هو معجز، ولو قيل ذلك لجاز وصف الله بالعجز. لأنه لا يوصف بالقدرة على المحال، إلا أن يكابروا فيقولوا هو قادر على المحال، فإن رأس مالهم المكابرة وقلب الحقائق. .تفسير الآية رقم (89): {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (89)}{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا} ردّدنا وكرّرنا {مِن كُلّ مَثَلٍ} من كل معنى هو كالمثل في غرابته وحسنه. والكفور: الجحود.فإن قلت: كيف جاز {فأبى أَكْثَرُ الناس إِلاَّ كُفُورًا} ولم يجز ضربت إلا زيداً؟ قلت: لأن أبى متأوّل بالنفي، كأنه قيل: فلم يرضوا إلا كفورا..تفسير الآيات (90- 93): {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (93)}لما تبين إعجاز القرآن وانضمت إليه المعجزات الأخر والبينات ولزمتهم الحجة وغلبوا، أخذوا يتعللون باقتراح الآيات: فعل المبهوت المحجوج المتعثر في أذيال الحيرة، فقالوا: لن نؤمن لك حتى... وحتى {تَفْجُرَ} تفتح. وقرئ {تفجر} بالتخفيف {مّنَ الأرض} يعنون أرض مكة {يَنْبُوعًا} عيناً غزيرة من شأنها أن تنبع بالماء لا تقطع: (يفعول) من نبع الماء، كيعبوب من عب الماء {كَمَا زَعَمْتَ} يعنون قول الله تعالى {إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الأرض أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مّنَ السماء} [سبأ: 9] وقرئ (كسفاً)، بسكون السين جمع كسفة، كسدرة وسدر وبفتحة {قَبِيلاً} كفيلاً بما تقول شاهداً بصحته. والمعنى: أو تأتي بالله قبيلاً، وبالملائكة قبيلاً، كقوله:أو مقابلاً، كالعشير بمعنى المعاشر، ونحوه {لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْنَا الملئكة أَوْ نرى رَبَّنَا} [الفرقان: 21] أو جماعة حالاً من الملائكة {مّن زُخْرُفٍ} من ذهب {فِى السماء} في معارج السماء، فحذف المضاف. يقال: رقى في السلم وفي الدرجة {وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيّكَ} ولن نؤمن لأجل رقيك {حَتَّى تُنَزّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا} من السماء فيه تصديقك. عن ابن عباس رضي الله عنهما: قال عبد الله بن أبي أمية: لن نؤمن لك حتى تتخذ إلى السماء سلماً. ثم ترقى فيه وأنا أنظر حتى تأتيها ثم تأتي معك بصك منشور، معه أربعة من الملائكة يشهدون لك أنك كما تقول. وما كانوا يقصدون بهذه الاقتراحات إلا العناد واللجاج، ولو جاءتهم كل آية لقالوا: هذا سحر، كما قال عز وجل {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كتابا فِي قِرْطَاس} [الأنعام: 7]، {ولو فتحنا عليهم باباً من السماء فظلوا فيه يعرجون} [الحجر: 14] وحين أنكروا الآية الباقية التي هي القرآن وسائر الآيات وليست بدون ما اقترحوه- بل هي أعظم- لم يكن إلى تبصرتهم سبيل {قُلْ سبحان رَبّى} وقرئ: {قال سبحان ربي} أي قال الرسول. و {سبحان ربي} تعجب من اقتراحاتهم عليه {هَلْ كُنتُ إَلاَّ} رسولاً كسائر الرسل {بَشَرًا} مثلهم، وكان الرسل لا يأتون قومهم إلا بما يظهره الله عليهم من الآيات، فليس أمر الآيات إليّ، إنما هو إلى الله فما بالكم تتخيرونها عليّ. .تفسير الآيات (94- 95): {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا (94) قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا (95)}{أن} الأولى نصب مفعول ثان لمنع. والثانية رفع فاعل له. و{الهدى} الوحي. أي: وما منعهم الإيمان بالقرآن وبنبوة محمد صلى الله عليه وسلم إلا شبهة تلجلجت في صدورهم، وهي إنكارهم أن يرسل الله البشر. والهمزة في {أَبَعَثَ الله} للإنكار، وما أنكروه فخلافه هو المنكر عند الله، لأن قضية حكمته أن لا يرسل ملك الوحي إلا إلى أمثاله، أو إلى الأنبياء، ثم قرر ذلك بأنه {لَوْ كَانَ فِي الأرض ملائكة يَمْشُونَ} على أقدامهم كما يمشي الإنس ولا يطيرون بأجنحتهم إلى السماء فيسمعوا من أهلها ويعلموا ما يجب علمه {مُطْمَئِنّينَ} ساكنين في الأرض قارّين {لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مّنَ السماء مَلَكًا رَّسُولاً} يعلمهم الخير ويهديهم المراشد. فأما الإنس فماهم بهذه المثابة، إنما يرسل الملك إلى مختار منهم للنبوة، فيقوم ذلك المختار بدعوتهم وإرشادهم.فإن قلت: هل يجوز أن يكون بشراً وملكاً، منصوبين على الحال من رسولاً؟ قلت: وجه حسن والمعنى له أجوب..تفسير الآية رقم (96): {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (96)}{شَهِيدًا بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ} على أني بلغت ما أرسلت به إليكم، وأنكم كذبتم وعاندتم {إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ} المنذرين والمنذرين {خَبِيراً} عالماً بأحوالهم، فهو مجازيهم. وهذه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ووعيد للكفرة. وشهيداً: تمييز أو حال..تفسير الآيات (97- 98): {وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا (97) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (98)}{وَمَن يَهْدِ الله} ومن يوفقه ويلطف به {فَهُوَ المهتدى} لأنه لا يلطف إلا بمن عرف أن اللطف ينفع فيه {وَمَن يُضْلِلِ} ومن يخذل {فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاء} أنصاراً {على وُجُوهِهِمْ} كقوله: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النار على وُجُوهِهِمْ} [القمر: 48].وقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف يمشون على وجوههم قال: «إن الذي أمشاهم على أقدامهم، قادر على أن يمشيهم على وجوههم» {عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمّا} كما كانوا في الدنيا، لا يستبصرون ولا ينطقون بالحق، ويتصامّون عن استماعه، فهم في الآخرة كذلك: لا يبصرون ما يقرّ أعينهم، ولا يسمعون ما يلذ مسامعهم ولا ينطقون بما يقبل منهم. ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى. ويجوز أن يحشروا مؤقي الحواس من الموقف إلى النار بعد الحساب، فقد أخبر عنهم في موضع آخر أنهم يقرؤن ويتكلمون {كُلَّمَا خَبَتْ} كما أكلت جلودهم ولحومهم وأفنتها فسكن لهبها، بدلوا غيرها، فرجعت ملتهبة مستعرة، كأنهم لما كذبوا بالإعادة بعد الإفناء جعل الله جزاءهم أن سلط النار على أجزائهم تأكلها وتفنيها ثم يعيدها، ولا يزالون على الإفناء والإعادة، ليزيد ذلك في تحسرهم على تكذيبهم البعث؛ ولأنه أدخل في الانتقام من الجاحد، وقد دل على ذلك بقوله {ذَلِكَ جَزَاؤُهُم} إلى قوله {أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً قُلْ}..تفسير الآية رقم (99): {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا (99)}فإن قلت: علام عطف قوله {وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً}؟ قلت: على قوله {أَوَ لَمْ يَرَوْاْ} لأن المعنى قد علموا بدليل العقل أنّ من قدر على خلق السموات والأرض فهو قادر على خلق أمثالهم من الإنس، لأنهم ليسوا بأشد خلقاً منهن كما قال: أأنتم أشد خلقاً أم السماء {وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لاَّ رَيْبَ فِيهِ} وهو الموت أو القيامة، فأبوا مع وضوح الدليل إلا جحوداً..تفسير الآية رقم (100): {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا (100)}{لَوْ} حقها أن تدخل على الأفعال دون الأسماء، فلا بد من فعل بعدها في {لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ} وتقديره لو تملكون تملكون، فأضمر تملك إضماراً على شريطة التفسير، وأبدل من الضمير المتصل الذي هو الواو ضمير منفصل، وهو أنتم، لسقوط ما يتصل به من اللفظ، فأنتم: فاعل الفعل المضمر، وتملكون: تفسيره! وهذا هو الوجه الذي يقتضيه علم الإعراب. فأمّا ما يقتضيه علم البيان، فهو: أنّ أنتم تملكون فيه دلالة على الاختصاص؛ وأنّ الناس هم المختصون بالشح المتبالغ ونحوه قول حاتم:وقول المتلمس: وذلك لأنّ الفعل الأول لما سقط لأجل المفسر، برز الكلام في صورة المبتدأ والخبر. ورحمة الله: رزقه وسائر نعمه على خلقه، ولقد بلغ هذا الوصف بالشح الغاية التي لا يبلغها الوهم. وقيل: هو لأهل مكة الذين اقترحوا ما اقترحوا من الينبوع والأنهار وغيرها، وأنهم لو ملكوا، خزائن الأرزاق لبخلوا بها {قَتُورًا} ضيقاً بخيلاً.فإن قلت: هل يقدر {لأمْسَكْتُمْ} مفعول؟ قلت: لا؛ لأن معناه: لبخلتم، من قولك للبخيل ممسك. .تفسير الآية رقم (101): {وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا (101)}عن ابن عباس رضي الله عنهما: هي العصا، واليد، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، والحجر، والبحر، والطور الذي نتقه على بني إسرائيل.وعن الحسن: الطوفان، والسنون، ونقص الثمرات: مكان الحجر، والبحر، والطور.وعن عمر بن عبد العزيز أنه سأل محمد بن كعب فذكر اللسان والطمس، فقال له عمر: كيف يكون الفقيه إلا هكذا، أخرج يا غلام ذلك الجراب، فأخرجه فنفضه، فإذا بيض مكسور بنصفين، وجوز مكسور، وفوم وحمص وعدس، كلها حجارة.وعن صفوان بن عسال: أنّ بعض اليهود سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: «أوحى الله إلى موسى: أن قل لبني إسرائيل: لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله إلا بالحق، ولا تسحروا، ولا تأكلوا الربا، ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان ليقتله، ولا تقذفوا محصنة، ولا تفرّوا من الزحف، وأنتم يا يهود خاصة لا تعدوا في السبت» {فَسْئَلْ بَنِى إسراءيل} فقلنا له: سل بني إسرائيل، أي: سلهم من فرعون وقل له: أرسل معي بني إسرائيل. أو سلهم عن إيمانهم وعن حال دينهم. أو سلهم أن يعاضدوك وتكون قلوبهم وأيديهم معك. وتدلّ عليه قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم: فسال بني إسرائيل، على لفظ الماضي بغير همز، وهي لغة قريش وقيل: فسل يا رسول الله المؤمنين من بني إسرائيل، وهم عبد الله بن سلام وأصحابه عن الآيات ليزدادوا يقيناً وطمأنينة قلب؛ لأن الأدلة إذا تظاهرت كان ذلك أقوى وأثبت، كقول إبراهيم {ولكن لّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى}.فإن قلت: بم تعلق {إِذْ جَاءهُمُ}؟ قلت: أمّا على الوجه الأول فبالقول المحذوف، أي فقلنا لهم سلهم حين جاءهم، أو ب (اسأل) في القراءة الثانية. وأمّا على الأخير فبآتينا. أو بإضمار اذكر، أو يخبروك. ومعنى {إِذْ جَاءهُمُ} إذ جاء آباءهم {مَّسْحُورًا} سحرت فخولط عقلك..تفسير الآيات (102- 104): {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا (102) فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا (103) وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا (104)}{لَقَدْ عَلِمْتَ} يا فرعون {مَا أَنزَلَ هَؤُلاء} الآيات إلا الله عز وجل {بَصَائِرَ} بينات مكشوفات، ولكنك معاند ماكبر: ونحوه: {وَجَحَدُواْ بِهَا واستيقنتها أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً} [النمل: 14] وقرئ {علمت} بالضم، على معنى: إني لست بمسحور كما وصفتني، بل أنا عالم بصحة الأمر. وأنّ هذه الآيات منزلها رب السموات والأرض. ثم قارع ظنه بظنه، كأنه قال: إن ظننتني مسحوراً فأنا أظنك {مَثْبُورًا} هالكاً، وظني أصح من ظنك؛ لأن له أمارة ظاهرة وهي إنكارك ما عرفت صحته، ومكابرتك لآيات الله بعد وضوحها. وأما ظنك فكذب بحت؛ لأن قولك مع علمك بصحة أمري، إني لأظنك مسحوراً قول كذاب. وقال الفرّاء: {مَثْبُورًا} مصروفاً عن الخير مطبوعاً على قلبك، من قولهم: ما ثبرك عن هذا؟ أي: ما منعك وصرفك؟ وقرأ أبيّ بن كعب {وإن إخالك يا فرعون لمثبوراً} على إن المخففة واللام الفارقة {فَأَرَادَ} فرعون أن يستخف موسى وقومه من أرض مصر ويخرجهم منها، أو ينفيهم عن ظهر الأرض بالقتل والاستئصال، فحاق به مكره بأن استفزه الله بإغراقه مع قبطه {اسكنوا الأرض} التي أراد فرعون أن يستفزكم منها {فَإِذَا جَاء وَعْدُ الأخرة} يعني قيام الساعة {جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا} جمعاً مختلطين إياكم وإياهم، ثم يحكم بينكم ويميز بين سعدائكم وأشقيائكم: واللفيف: الجماعات من قبائل شتى.
|